الملحدون يواجهون الاضطهاد والملاحقة القانونية في العراق
شفق نيوز/ كشف قضاء الغراف في ناحية ذي قار في جنوب العراق في 11 آذار/مارس عن إصدار مذكّرات قبض في حقّ أربعة عراقيّين بتهمة الإلحاد، الأمر الذي أثار ضجّة على مواقع التواصل الاجتماعيّ والإعلام.
واعتبرت الملاحقات بهذه التهمة تعدّياً على حقوق العراقيّين الذين كفل لهم الدستور حريّة التعبير والمعتقد، ورأى بعض الكتّاب والمدوّنين أنّ هذه الحملة تحمل طابعاً سياسيّاً.
قال قائم مقام قضاء الغراف، في تصريحات إلى الصحافة المحلّيّة العراقيّة، إنّ القوّات الأمنيّة تمكّنت من اعتقال أحد هؤلاء الملحدين، بينما لا يزال البحث جارياً عن الثلاثة الآخرين.
ووصف قائم مقام الغراف ضيدان العكيلي الملاحقين بـ"المتّهمين"، وقال إنّه تمّت ملاحقتهم كونهم "يعقدون الندوات داخل المجالس ويشيعون ثقافة عدم وجود الله، ونشر الإلحاد وتوسيع قاعدته الجماهيريّة"، إلّا أنّه لم يشر على وجه التحديد، إلى عن ماذا تتحدّث هذه الندوات بالضبط.
وبحسب العكيلي، فإنّ الإدارة المحلّيّة لقضاء الغراف كلّفت دائرة الاستخبارات بملاحقة ظاهرة الإلحاد، مستندة قانونيّاً بهذه الملاحقات على قانون العقوبات المرقّم 372 المقرّ في عام 1969، والذي عدّل في عام 1995 على يد النظام السابق بقيادة الرئيس الراحل صدّام حسين.
ولا ينصّ القانون على عقوبة تتضمّن الإلحاد في شكل صريح، وإنّما يتمّ حبس بين عام وثلاثة أعوام "كلّ من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينيّة أو حقّر من شعائرها"، وأيضاً "كلّ من تعرّض بإحدى طرق العلانية للفظ الجلالة سبّاً أو قذفاً بأيّ صيغة كانت".
أكّد الخبير القانونيّ علي جابر التميمي أنّه "لا توجد مادّة في قانون العقوبات العراقيّ تعاقب في شكل مباشرة على الإلحاد، وكذلك لا يوجد قانون خاصّ بمعاقبة الملحدين، وإنّما هناك مواد تعاقب على ازدراء الأديان"، معطياً القانون 372 كمثال على ذلك.
وشخّص التميمي تضارباً في القانون 372 والدستور العراقيّ الذي أقرّ في عام 2005، وأشار إلى أنّ "الدستور في المادّة 43 أتاح حرّيّة المعتقد والتوجّه الفكريّ".
وفي طبيعة الحال، فإنّ المدوّنين على مواقع التواصل الاجتماعيّ وكتّاب الصحافة المحلّيّة، سارعوا إلى توجيه نقد قاسٍ إلى سلطات قضاء الغراف على هذه الملاحقات، إلّا أنّ الملحدين أنفسهم لم يسلموا من سخرية النجوم المشهورين على موقع "فيسبوك"، مثلما فعل الستاند آب كوميديّ أحمد وحيد في فيديو انتقد أولئك الملحدين الذين يجاهرون بإلحادهم، على الرغم من عدم فهمهم العميق لما يرمي إليه الإلحاد.
وانتشر هاشتاغ "#4إلحاد" على موقع فيسبوك في تحوير لاسم المادّة 4 إرهاب من قانون مكافحة الإرهاب والتي يتمّ بموجبها القبض على المنتمين إلى الجماعات الجهاديّة ومحاكمتهم، والهاشتاغ يرمي إلى السخرية من ملاحقة الملحدين بالطبع. وفي الصحافة العراقيّة، عدّ تفشّي الإلحاد في المجتمع نتاجاً لفشل الأحزاب الإسلاميّة في الحكم طوال أكثر من عقد ولّى، إضافة إلى تورّط هذه الأحزاب في ملفّات فساد كبيرة.
ولا توجد إحصاءات أو دراسات في العراق تتحدّث عن المعتقدات والانتماءات، إلّا أنّ دراسة لمؤسّسة "غالوب" صدرت في عام 2013 تحدّثت عن أنّ حوالى 88% من العراقيّين هم من المتديّنين، ووفقاً للدراسة، فقد حلّ العراق في المرتبة السابعة عالميّاً لناحية تديّن سكّانه.
تبدو الأمور في العراق متشابكة في تحديد الإلحاد، إذ يخلط عدد من رجال الدين المقرّبين من الأحزاب الدينيّة في هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، يجري وصم العلمانيّة كمبدأ لفصل الدين عن الدولة بالإلحاد، ويروّج بعض رجال الدين إلى أن الإيديولوجيّات الليبراليّة والشيوعيّة في صميمها لا تؤمن بالأديان ولا بوجود الله، وهو ما يدعو إلى مواجهتها، كمال قال رجل الدين الشيعيّ عامر الكفيشي في آب/أغسطس 2017.
كما أنّ ملاحقة الملحدين تحمل في شكل كبير دلالات سياسيّة كبيرة، ويقف بعض الأحزاب الإسلاميّة الماسكة للسلطة منذ غزو العراق من قبل الولايات المتّحدة الأميركيّة في آذار/مارس 2003 وراء هذا الأمر، كما يؤكّد الصحافيّ المتابع للشؤون الاجتماعيّة والسياسيّة صفاء خلف.
وشخّص خلف أنّ "فكرة الإلحاد في العراق هي وليدة الضغط السياسيّ وتأثيراته الاقتصاديّة والاجتماعيّة"، لافتاً إلى أنّ "صعود الإلحاد الآن إلى السطح كردّ فعل اجتماعيّ على تسلّط الإسلام السياسيّ وفشله في إدارة الخدمات والدولة، فضلاً عن الانفتاح بسبب وسائل التواصل الحديثة الذي فرض انماطاً جديدة من التفكير والحياة، ولا سيّما عند جيل جديد يخضع إلى ضغوط هائلة نتيجة الإحباط".
وقال خلف الذي يرصد ظواهر اليأس في المجتمع العراقيّ إنّه "غالباً ما يتمّ الخلط بين الكثير من التوجّهات الفكريّة أو الدينيّة الدعويّة أو المدنيّة المتعلّقة بالحرّيّات، وغالباً ما يتمّ توجيه أدوات الشيطنة الدعائيّة عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ إلى أيّ توجّه خارج صندوق مصالح سلطة الإسلام السياسيّ". وعلى هذا الأساس، أشار إلى أنّ "العلمانيّة، بسبب خطاب الإسلام السياسيّ، اعتبرت عدوّة للإيمان، بالتالي أزيحت هذه المفردة من التداول السياسيّ في العراق بعد عام 2003، وتخلّت أحزاب عريقة كالشيوعيّ العراقيّ عن استخدامها وأشيعت مفردة المدنيّة كمرادف للعلمانيّة".
وخلص الصحافيّ العراقيّ إلى القول إنّ "هناك تخبّطاً وسوء فهم واستخدام التسميات على السلوكيّات الخطأ من قبل السلطة السياسيّة، بسبب الأمّيّة المتفشّية في المجتمع والدولة على حدّ سواء"، قبل أن يضيف أنّ "السلطة مرتاحة لهذه الأمّيّة التي تساعدها كثيراً في قمع أيّ توجه معارض، ولا سيّما إن كان توجّهاً يتحدّى الدين أو رجال الدين أو الممارسات التي تنال من الحرّيّات العامّة".
وفي واقع الحال، لطالما حظي الإلحاد باهتمام بعض زعماء الأحزاب الإسلاميّة في العراق، واعتبر من قبلهم ظاهرة تستحقّ الملاحقة والحدّ منها، كما اعتبره بعض منهم هجوماً على الأحزاب الإسلاميّة نفسها، إلّا أنّ كلّ هذه الآراء لخّصها موقف المرجعيّة الدينيّة العليا للشيعة في النجف، الحامية الدينيّة، والتي اعتبرت تفشّي الإلحاد نتاجاً للفشل السياسيّ في العراق طوال عقد ونيّف.
رابط المقال الاصلي: اضغط هنا